فصل: المقالة الأولى: أحوال العين والرمد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في الخَدر:

لفظة الخَدر تستعمل في الكتب استعمالاً مختلفاً فربما جعل لفظة الخدر مرادفة للفظة الرعشة وأما نحن وكثير من الناس فنستعمله على هذا الوجه.
الخدر علة آلية تحدث للحس اللمسي آفة إما بطلاناً وإما نقصاناً مع رعشة إن كان ضعيفاً أو استرخاء إن استحكم لأن القوة الحسية لا تمتنع عن النفوذ إلا والحركية تمتنع كما أوضحنا مراراً وإن كان في الأحايين قد يوجد خَدر بلا عسر حركة لاختلاف عصب الحركة والحس.
وسبب الخَدر إما من جهة القوة فأن يضعف كما في الحميات القوية والحادة المؤدية إلى الخدر وكما في الذي يريد أن يغشي عليه وعند القرب من الموت وإما من جهة الآلة فأن يفسد مزاجها ببرد شديد من شرب دواء أو لسع حيوان كالعقرب المائي أو مس الرعادة المسمى نارقا أو شرب دواء كالأفيون فيحدث ذلك غلظاً في الروح التي هي آلة القوة وضعفاً أو يفسد مزاجها بحر شديد كمن لسعته الحية أو بقي في حمام شديد الحر أو في الحميات المحرقة أو لغلظ جوهر العصب فلا ينفذ فيه الروح نفوذاً حسناً ولذلك ما تجد في لمس الرجل بالقياس إلى لمس اليد كالخدر أو يكون لسدد من أخلاط غليظة إما لحم وإما بلغم وإما سوداء وقد يمكن أن يكون من الصفراء أو لسدد من ضغط ورم أو خراج أو ضغط شد ورباط أو ضغط وضع يلوي العصب أو معصره شديداً أو لأجل وضع ينصت إلى العضو معه دم أو خلط غيره كثير فيسد المسالك.
وهذا أكثره عن الدم ولذلك إذا بدل وضعه فزال ورجع عنه ما انصب إليه عاد لحس وربما عرض ذلك من اليبس والِجفاف فتنسد المسالك لاجتماع الليف وانطباقه وهذا رديء.
وقد تعرض السدة للاسترخاء الكائن عن رطوبة مزاجية دون مادة يتبع ذلك لاسترخاء انطباق المجاري.
وأسباب الخَدر قد تكون في الدماغ نفسه فإن كان كَلّياً يعمّ البدن كله فهو قاتل من يومه وربما كانت في النخاع وربما كان ابتداؤها من فقرة واحدة وربما كان في شعبه عصب فإن أَزْمَنَ الخدر البارد وطال أدّى إلى الاسترخاء.
والخدر الغالب ينذر بسكتة أو صرع أو تشنّج أو كزاز أو فالج عام وخدر كل عضو إذا دام واشتدّ ينذر بفالج أو تشنّج يصيبه.
وخدر الوجه ينذر باللّقوة وكثيراً ما يعقب ذات الرئة وذات الجنب والسرسام البارد خدر.
واعلم أن الخدر إذا دام في عضو ولم نر له الاستفراغ ثم العلامات: العلامات بعينها هي الأسباب وكما قيل في الرعشة ويدلّ على ذلك منها وزيادة الخدر بزيادته ونقصانه بنقصانه والعلاج على ما قيل في الرعشة بعينه إلا أنه إن كان عن دم غالب وقامت دلالة من امتلاء العروق وانتفاخ الأوداج وثقل البدن ونوم وحمرة وجه وعين وغير ذلك فينبغي أن يفصد فصداً بالغاً فإنه في أكثر يزيل الخدر وحده ومع إصلاح التدبير وتجفيف الغذاء وإذا ظهر الخدر بعضو من الأعضاء بسبب سابق أو باد مثل برد أو غير ذلك نال مبدأ العصب فيجب أن لا يقتصر على معالجة الموضع بل يكوى وكذلك علاج مبدأ العصب السالك إليه.
ومن المعالجات النافعة للخدر رياضة ذلك العضو ودوام تحريكه.
واعلم أن القرطم الواقع في الحقن مسخن للعصب.

.فصل في الاختلاج:

الاختلاج حركة عضلانية وقد يتحرك معها ما يلتصق بها من الجلد وهي من ريح غليظة نفّاخة أما الدليل على أنها من ريح فسرعة الانحلال وأنه لا يكون إلا في الأبدان الباردة َ والأسنان الباردة وشرب الأشياء الباردة ويسكنها المسخنات والنفوذ.
وأما الدليل على أنها غليظة فهو أنها لا تنحل إلا بتحريك العضو والدليل على أنها عضلانية لحمية عصبية أن ما لانَ جداً مثل الدماغ فإن الريح لا تحتقن فيه وكذلك ما صلب مثل العظم بل يعرض في الأكثر لما توسّط في الصلابة واللين.
وأسباب الاختلاج قوة مبرّدة ومادة رطبة وقد يعرض الاختلاج من الأعراض النفسانية كثيراً خصوصاً من الفرح وكذلك يعرض من الغم والغضب وغير ذلك لأن الحركة من الروح قد تحلّل المواد رياحاً. واعلم أن الاختلاج إذا عمّ البدن أنذر بسكتة أو كزاز.
وإذا دام بالمراق أنذر بالمالنخوليا والصرع وإذا دام بالوجه أنذر باللقوة واختلاج ما دون الشراسيف ربما دلّ على ورم في الحجاب فإنه من توابعه.
علاج الاختلاج المتواتر: يكمد بالكمادات المسخنة فإن زال وإلا استعملت الأدهان المحللة مبتدئاً من الأضعف إلى الأقوى فإن زال وإلا سقي المسهل ويدام بعد ذلك تمريخ العضو بالأدوية المسخّنة.
وللجندبيدستر مع الزنبق خاصية في هذا الباب ولا يتناول ماء الجمد ولا الخدر الكثير وما له نفخ وتبريد ويقرب علاجه من علاج أخواته فلنختم الكلام في أمراض العصب ههنا ولنقتصر على الحسيّة والحركية والِوضعية منها.
وأما الأورام وتفرقات الاتصال وغير ذلك فلتأخر إلى الكتاب الرابع إن شاء الله.

.الفن الثالث: تشريح العين وأحوالها وأمراضها:

وهو أربعة مقالات:

.المقالة الأولى: أحوال العين والرمد:

.فصل في تشريح العين:

فنقول: قوّة الإبصار ومادة الروح الباصر تنفذ إلى العين من طريق العصبتين المجوّفتين اللتين عرفتهما في التشريح وإذا انحدرت العصبة والأغشية التي تصحبها إلى الحجاج اتّسع طرف كل واحد منهما وامتلأ وانبسط اتساعاً يحيط بالرطوبات التي في الدقّة التي أوسطها الجليدية وهي رطوبة صافية كالبرد والجليد مستديرة ينقص تفرطحها من قدّامها استدارتها وقد فرطحت ليكون المتشنج فيها أوفر مقداراً ويكون للصغار من المرئيات قسم بالغ تتشنّج فيه ولذلك فإن مؤخرها يستدقّ يسيراً ليحسن انطباقها في الأجسام الملتقمة لها المستعرضة المستوسعة عن دقة ليحسن التقامها إياها وجعلت هذه الرطوبة في الوسط لأنه أولى الأماكن بالحرز وجعل وراءها رطوبة أخرى تأتيها من الدماغ لتغذوها فإن بينها وبين الدم الصرف تدريجاً.
وهذه الرطوبة تشبه الزجاج الذائب ولون الزجاج الذائب صفاء يضرب إلى قليل حمرة.
أما الصفاء فلأنها تغذو الصافي وأما قليل حمرة فلأنها من جوهر الدم ولم يستحل إلى مشابهة ما يغتذي به تمام الاستحالة وإنما أخرت هذه الرطوبة عنها لأنها من بعث الدماغ إليها يتوسط الشبكي فيجب أن تلي جهته وهذه الرطوبة تعلو النصف المؤخر من الجليدية إلى أعظم دائرة فيها وقدامها رطوبة أخرى تشبه بياض البيض وتسمى بيضية وهي كالفضل عن جوهر الجليدية وفضل الصافي صافٍ ورضعت من قدام لسبب متقدم ولسبب كالتمام.
والسبب المتقدم هو أن جهة الفضل مقابلة لجهة الغذاء والسبب التمامي هو أن يدرج حمل الضوء على الجليدية ويكون كالجنة لها ثم أن طرف العصبة يحتوي على الزجاجية والجليدية إلى الحد الذي بين الجليدية والبيضية والحد الذي ينتهي عنده الزجاجية عند الإكليل احتواء الشبكة على الصيد فلذلك تسمى شبكتة وينبت من طرفها نسج عنكبوتي يتولد منه صفاق لطيف تنفذ معه خياطات من الجزء المسمى الذي سنذكره وذلك الصفاق حاجز بين الجليدية وبين البيضية ليكون بين اللطيف والكثيف حاجز ما وليأتيه غذاء من أمامه نافذ إليه من الشبكي والمشيمي وإنما كان رقيقاً كنسج العنكبوت لأنه لو كان كثيفاً قائماً في وجه الجليدية لم يبعد أن يعرض منه لاستحالته أن يحجب الضوء عن الجليدية من طريق البيضيّة وأما طرف الغشاء الرقيق فإنه يمتلئ وينتسج عروقاً كالمشيمة لأنه منفذ الغذاء بالحقيقة وليس يحتاج إلى أن يكون جميع أجزائه مهيأة للمنفعة الغذائية بل الجزء المؤخر ويسمى مشيمياً.
وأما ما جاوز ذلك الحدّ إلى قدام فيثخن صفاقاً إلى الغلظ ما هو ذا لون أسمانجوني بين البياض والسواد ليجمع البصر وليعدل الضوء فعل إطباقنا البصر عند الكلال التجاء إلى الظلمة أو إلى التركيب من الظلمة والضوء وليحول بين الرطوبات وبين القرني الشديد الصلابة ويقف كالمتوسط العدل وليغذو القرنية بما يتأذى إليه من المشيمية ولا يتم إحاطته من قدامه لئلا يمنع تأدي الأشباح بل يخلي قدامه فرجة وثقبة كما يبقى من العنب عند نزع ثفروقه عنه وفي تلك الثقبة تقع التأدية إذا انسدت منع الإبصار وفي باطن هذه الطبقة العنبية خمل حيث يلاقي الجليدية ليكون أشبه بالمتخلخل اللين وليقل أذى مماسِّتِهِ.
وأصلب أجزائه مقدمه حيث تلاقي الطبقة القرنية الصلبة وحيث يتثقب ليكون ما يحيط بالثقبة أصلب والثقبة مملوءة رطوبة للمنفعة المذكورة وروحاً يدل عليه ضمور ما يوازي الثقبة عند قرب الموت.
أما الحجاب الثاني فإنه صفيق جداً ليحسن الضبط ويسمى مؤخره طبقة صلبة وصفيقة ومقدّمه يحيط بجميع الحدقة وتشف لئلا تمنع الإبصار فيكون ذلك في لون القرن المرقق بالنحت والجرد ويسمى لذلك قرنية.
وأضعف أجزائه ما يلي قدّام وهي بالحقيقة كالمؤلفة من طبقات رقاق أربعة كالقشور المتراكبة إن انقشرت منها واحدة لم تعم الآفة.
وقول قوم: إنها ثلاث طبقات ومنها ما يحاذي الثقبة لأن ذلك الموضع إلى الستر والوقاية أحوج وأما الثالث فيختلط بعضل حركة الحدقة ويمتلئ كله لحماً أبيض دسماً ليليّن العين والجفن ويمنعها أن تجف وتسمى جملته الملتحم فأما العضل المحركة للمقلة فقد ذكرناها في التشريح وأما الهدب فقد خلق لدفع ما يطير إلى العين وينحدر إليها من الرأس ولتعديل الضوء بسواده إذ السواد يجمع نور البصر وجعل مغرسه غشاء يشبه الغضروف ليحسن انتصابها عليه فلا يضطجع لضعف المغرس وليكونا للعضلة الفاتحة للعين مستنداً كالعظم يحسن تحريكه.
وأجزاء الجفن جلد ثم أحد طاقي العشاء ثم شحمه ثم عضله ثم الطاق الآخر وهذا هو الأعلى.
وأما الأسفل فينعقد من الأجزاء العضلية والموضع الذي في شقه خطر هو ما يلي موقه عند مبدأ العضلة.

.فصل في تعرّف أحوال العين وأمزجتها والقول الكلي في أمراضها:

يتعرف ذلك من ملمسها ومن حركتها وعن عروقها ومن لونها ومن شكلها ومن قدرها ومن فعلها الخاص وحال ما يسيل منها وحال انفعالاتها.
فأما تعرف ذلك من ملمسها فأن يصيبها اللمس حارة أو باردة أو صلبة يابسة أو لينة رطبة.
وأما تعرف ذلك من حركتها فأن تتأمل هل حركتها خفيفة فتمد على حرارة أو على يبوسة كما يفصل ذلك ملمسها أم ثقيلة فتدل على برد ورطوبة.
وأما تعرف ذلك من عروقها فأن تتعرف هل هي غليظة واسعة فيدل ذلك على حرارتها أم دقيقة خفية فيدل ذلك على برودتها وأن تتعرف هل هي خالية فيدل ذلك على يبوستها أم ممتلئة فيمل ذلك على كثرة المادة فيها.
وأما تعرف ذلك من لونها فإن كل لون يحل على الخلط الغالب المناسب أعني الأحمر والأصفر والرصاصي والكمد.
وأما تعرف ذلك من شكلها فإن حسن شكلها يدل على قوتها في الخلقة وسوء شكلها على ضد ذلك.
وأما حال عظمها وصغرها فعلى حسب ما قيل في الرأس وأما تعرّف ذلك من فعلها الخاص فإنها إن كانت تبصر الخفي من بعيد ومن قريب معاً ولا تتأذى بما يرد عليها من المبصرات القوية فهي قوية المزاج معتدلة وإن كانت ضعيفة الإبصار وعلى خلاف ذلك ففي مزاجها أو خلقتها فساد وإن كانت لا تقصر في إدراك القريب وإن دق وتقصر في إدراك البعيد فروحها صافٍ صحيح قليل تدعي الأطباء أنه لا يفي للانتشار خارجاً لرقته ويعنون بذلك الشعاع الذي يعتقدون أنه من جملة الروح وأنه يخرج فيلاقي المبصر وإن كانت لا تقصر في إدراك البعيد فإن أدنى منها الدقيق لم تبصر وإن نحي عنها إلى قدر من البعد أبصرته فروحها كبير كدر غير صاف لطيف بل رطب ومزاجها رطب تدّعي الأطباء أنه لا يرقّ ولا يصفو إلا بالحركة المتباعدة.
وإذا أمعن الشعاع في الحركة رق ولطف وإن كانت تضعف في الحالين فروحها قليل كدر وأما تعرف ذلك من حال ما يسيل منها فإنها إن كانت جافة لا ترمص البتة فهي يابسة وإن كانت ترمص بإفراط فهي رطبة جداً.
وأما من حال انفعالاتها فإنها إن كانت تتأذى من الحر وتتشفى بالبرد فبها سوء مزاج حار وإن كانت بالضد فبالضد.
واعلم أن الوسط في كل واحد من هذه الأنواع معتدل إلا المفرط في جودة الإبصار فهو المعتدل.
والعين يعرض لها جميع أنواع الأمراض المادية والساذجة والتركيبية الآلية والمشتركة.
وللعين في أحوالها التي تعرض لها من هيئة الطرف والتغميض والتفتيح واللون والدمعة أحكام متعلقة بالأمراض الحادّة يجب أن تطلب منها.
وأمراض العينين قد تكون خاصة وقد تكون بالمشاركة.
وأقرب ما تشاركه الدماغ والرأس والحجب الخارجة والداخلة ثم المعدة.
وكل مرض يعرض للعين بمشاركة الحجاب الخارج فهو أسلم مما كان بخلافه.
علامات كون مرض العين بشركة الدماغ أن يكون في الدماغ بعض دلائل آفاته المذكورة فإن كان الواسطة الحجب الباطنة ترى الوجع والألم يبتدئ من غور العين وإن كانت المادة حارة وجدت عطاساً وحكةً في الأنف وإن كانت باردة أحسست بسيلان بارد.
وقلما تكون هذه المشاركة بسوء مزاج مفرد وإن كانت المشاركة مع الحجب الخارجة وكانت المادة تتوجّه منها أحس بتمدد يبتدئ في الجبهة والعروق الخارجة.
وتظهر المضرة فيما يلي الجفن أكثر وإن كانت بمشاركة المعدة كانت العلامات المذكورة في باب مشاركة الدماغ للمعدة وإن كان هناك خيالات بسبب المعدة قلت في الخواء وكثرت في الامتلاء.
وأما علامات المرض المادي من حيث هو في نفس العين فان الدموي يدل عليه الثقل والحمرة والدمع والانتفاخ ودرور العروق وضربان الصدغين والالتزاق والرمص وحرارة الملمس وخصوصاً إذا اقترن به علامات دموية الرأس.
وأما البلغمي فيدل عليه ثقل شديد وحمرة خفية مع رصاصية ما والتصاق ورمص وتهتج وقلة دموع.
وأما الصفراوي فيدل عليه النخس والالتهاب مع حمرة إلى صفرة ليست كحمرة الدموي ورقة دمع حاد وقلة الالتصاق.
وأما المزاجات الساذجة فيمل عليها الثقل مع الجفاف ومع وجود دلائل ذكرناها في باب التعرف.
وأما الأمراض الآلية والمشتركة فيأتي لكل واحد منها باب.